اللهم انصر إخواننا في فلسطين ❤️🇵🇸🇵🇸

مقالات تربوية

حوار حول التعليم والإبداع

علا العلمى
علا العلمى

تقديم : علا العلمى

خبيرة تنمية بشرية وتطوير الذات

إن علاج أي مشكلة منبعه الإنسان، ذلك أنه هو محور الكون، والإنسان في الحقيقة ليس هو الجسد، فكل الكائنات الحية تمتلك هذه الصفة، بل الإنسان هو التربية التي يحملها، والقيم التي يعتقدها، والسلوك الذي يقوم به .. ومن هنا نستضيف د. ماجدة مدكور وحوار مفتوح حول التعليم والإبداع..

س: إن التقدم والرقي لا يتحقق بالسياسة ولا بالمال فحسب بل يتحقق فى الأساس على إعداد جيل يُسهم في إيجاد بنية ذاتية متطورة تعزز التقدم المنشود وتكرس الرقي المطلوب .. د. ماجدة ..هل برى المسؤولين تلك الرؤية أم أنها محض أفكار فى كتب ؟ .

أعتقد أن كل من يهتم بالتعليم الحقيقى ، القائم على تفجير طاقة الإبداع بالإنسان، يرى أهمية التركيز على بناء الإنسان.. العائق هو عدم وجود سياسة واضحة لتحقيق هذا الهدف.. لقد ضاعت الرؤية فى هموم كثيرة أحدثتها الزيادة الهائلة فى السكان فأربكت النمو الإقتصادى بالكامل وكان لهذا أثره على التعليم من حيث تضخم المدارس وتكدسها بأعداد ضخمة من التلاميذ بدون مدرسيين، وساءت أحوال التعليم تباعا ؛ لكن الحل هو أن تبدأ وزارة التربية و التعليم فى وضع سياسة جديدة للتعليم بإعادة هيكلة المدارس بصورة تدريجية تخرجها من المنظومة الحالية إلى التعليم الحديث ..فالتعليم الحديث قائم على أبحاث علمية عن الدماغ و الذكاء و طرق التعلم، وهذه كلها أفكار مطبقة فى أرض الواقع و ليست مجرد فكرة فى كتاب .فنجد على سبيل المثال ، مدارس تتبع نظرية الذكاء المتعدد، و مدارس تتبع المنهجية العلمية لمونتسورى، و مدارس أخرى قائمة على منهجية ولدروف، وغيرها من المدارس القائمة على النظريات المعرفية للتعلم ..فهذه تطبيقات فعلية للتعليم الحديث الذى نتمنى أن نراه فى مصر..تعليم قائم على تلبية الإحتياجات الفردية للطفل والتلميذ، والذى يتطلب مناهج جديدة وطرق تدريس فعالة ُتشحذ التفكير و تحفز الطالب أن يكتسب مهارات تساعده على مواجهة تحديات العصر الحديث.

س: إن ما يميز أفراد مجتمع ما عن أفراد مجتمع آخر، هو ثقافة ذلك المجتمع، ونوع التربية السائدة فيه ..وهذا بالفعل مانجده فى اليابان ..فهل ثقافة المجتمع المصرى لاترتبط صبغتها على متعلميها .. وكيف السبيل الى ذلك ؟

ثقافة أى مجتمع تٌصبغ على أهلها ، سواء من المتعلمين أو غير المتعلمين.. وفى الحقيقة ، لقد ورثت الأجيال الحالية أشياء إيجابية و أخرى سلبية فيما يتعلق بالثقافة ؛ ومع الأسف السلبيات كان لها تأثيرا أكبر ، فنجد على سبيل المثال، أن ثقافة تربية الأطفال تقوم على مبدأ التشكيل، و بالتالى أبعدنا الطفل أن يتواصل مع نفسه و ينمى تفكيره و ينفعل بالتجربة ليتعلم و يعبر بحرية و يُبدع و يبتكر.. من السلبيات الأخرى للثقافة الخوف من الحرية؛ فارتبط مفهوم الحرية عند الأغلبية العظمى من الناس بالإنحلال الأخلاقى ، فى حين أن الحرية هى قيمة موجودة بالفطرة داخل كل كائن ، بما فى ذلك الإنسان.. و الحرية تعنى الإعتزاز بالذات ، والثقة بالنفس،و تحمل المسؤولية ، و إتقان العمل ، وهى كلها قيم أخلاقية عليا، و أيضا قيم ضرورية للإبداع و الإبتكار..لذلك انتبهت أكبر الجامعات فى العالم بالتفكير الثقافى و أصبح علما يٌدرس فى المدارس الآن، يساعد التلاميذ على فهم الإيجابى و السلبى فى البيئة الثقافية، ويساعد أيضا فى تفهم الثقافات الأخرى ، و بالتالى تقبل الآخر والتعايش معه بسلام..وهناك أمرآخر أكثر سلبية فى الثقافة و هو أن الكثير من الناس تعتق أن العلم و التفكير العلمى ينافى الدين و الإيمان.. وهذا غير صحيح لأن العالم الحقيقى يتمتع بأخلاق رفيعة فهو يتبع منهجية موضوعية أخلاقية ليصل لنتائج حقيقية و ليست مزيفة. لذلك يجب أن نكتب مناهج مدارسنا من جديد و نٌدخل فيها مقرر التفكير الثقافى كجزء من مهارات التفكير ليكتسب التلاميذ المهارات الهامة المتعلقة بالثقافة ..

س: د.ماجدة لى مقولة أؤمن بها وهى ..أن علاقة التربية والتعليم مع الإنسان كعلاقته مع الماء والهواء أى انها علاقة تحافظ للإنسان على حياته ..الى أى مدى ترى أن مقولتى صحيحية بالنسبة للوضع الموجود فى مصر ؟؟

العلم يجعل الإنسان فى نور ، ونحن جميعا نريد أن نرى كل فرد من أفراد الشعب متعلما و لديه القدره على كسب مهارات التعليم الحديث، إلا أن مع ظروف الحياة فى القرن الواحد و العشرين ، خاصة مع الكثافة السكانية المتضخمة والأحوال الإقتصادية المتدانية ، أصبح توفير التعليم مجانا لكل فئات الشعب أمر يكاد يكون مستحيلا.. لكن هذا لا يعنى أنه لا يمكن توفير التعليم لكل الناس ..لكنه يعنى أن الفئات التى لديها الإمكانيات المادية يجب أن تساهم فى تحقيق هذا الهدف المنشود.. ما المانع أن يتواجد تعليم ذو جودة عالية وأهداف متعددة و مدارس متنوعة و بمصاريف مختلفة مع توفير مجانية للتعليم لغير القادرين؟ منظومة توفير سلع أو خدمات مجانية أصبحت غير موجودة فى أرض الواقع لأى دولة فى العالم.. نحن نعيش فى عصر أصبح فيه ارتباط السلعة أو الخدمة بقيمة ، سواء مادية أو معنوية، أمر واقع .. ونحن تعلمنا من تجاربنا السابقة فى أرض الواقع، أنه لا يوجد أى شىء مجانا .. وعلينا أن نواجه الواقع ولا نضع رأسنا فى الرمال كالنعام ..هناك متغيرات إقتصادية عالمية و تحديات تلعب دورا أساسيا فى حياتنا سواء رضينا بها أو رفضناها .. وأنا أجد أنه ليس من المستحيل أن نواجه هذة التحديات لتوفير التعليم لكل فئات الشعب المصرى ، لأن التعليم أمر فى غاية الأهمية لكل إنسان ، خاصة فى عصرنا المعقد هذا ، ليتمكن كل إنسان من أن يعيش بكرامة..

س:إذا كانت التربية أداة التغيير والتعليم أداة البناء .. فكلاهما يسعى للمستقبل الأفضل ..هل ترى بالفعل أن مخرجات التعليم تتناسب مع العصر ..واذا كان كذلك لماذا يلجأ الخريج الى أخذ العديد من الكورسات للالتحاق بسوق العمل ؟؟ واذا كانت هذه الكورسات مهمة ومطلوبة لما لا تتبنى الوزارة الماة العلمية التى تقدم فى الكورسات الخارجية وتقدمها فى المناهج بحيث بجد تكون مخرجات التعليم فى مصر تتناسب مع ما يطلبه سوق العمل ؟

لا علوم التربية الموجودة الآن، و لا النظام التعليمى الحالى فى مصر و العالم العربى يقدمان لنا المخرجات المتناسبة مع العصر الحديث..وهذا السبب الذى يدفع الخريجيين إلى الإلتحاق ببرامج تؤهلهم للحصول على وظائف فى سوق العمل ..إننى لا أجد أى ترابط بين أهداف كليات التربية ومتطلبات العصر الحديث مثلا، أو ترابط بين أهداف كليات التربية و سياسات تعليمية حديثة .. لا أجد ترابطا بين ما يدرسه التلاميذ و الطلاب فى المدارس والجامعات و بين ما يواجهونه فى الحياة الواقعية .. لا بد من تغيير المنظومة بالكامل..نحن نحتاج لتحديث برامج كليات التربية و ربطها بمتطلبات العصر الحديث، وكذلك ربطها بسياسة تعليمية جديدة تهدف إلى تكوين الأجيال الجديدة من المتعلمين المبدعين فى الأداب والفنون و الموسيقى والزراعة و الصناعة و الهندسة و الطب …الخ.. نحتاج أن تُفرز لنا كليات التربية المعلم المؤهل ، و الذى يستطيع أن يخلق بيئات تعليمية إيجابية متعددة تلبى الإحتياجات الفردية للتلاميذ و الطلاب و تٌفجر طاقاتهم المبدعة.. و لكن كيف يمكن لكليات التربية أن تقوم بهذه المهمة وهى تستقبل تلاميذ من نظام تعليمى قائم على الحفظ و التلقين و ضعف شديد فى أساسيات القراءة و الكتابة؟! نحن ندور فى حلقة مفرغة .. لذلك؛ فنحن نحتاج لثورة تعليمية .. أو على الأقل أن نأخذ خطوات فعالة من أجل تغيير التعليم ؛ فلنبدأ بإعادة هيكلة عدد من المدارس فى كل محافظة و تدريجيا نغير كل المدارس.. و لتساهم مؤسسات المجتمع فى بناء مدارس جديدة.. و نضع السياسات و القوانين التى تسمح فقط للمتخصص أن يدخل مجال التعليم.. و لتبتعد وزارة التربية و التعليم عن الإدارة المركزية، و لنبدأ فى تأهيل المعلم داخل المدارس، و نعيد كتابة المناهج الجديدة التى تتلائم مع متطلبات القرن الواحد و العشرين..و غيرها و غيرها من الخطوات ؛ فهناك خطوات كثيرة إذا بدأنا منها ، فقطعا يمكننا أن نبدأ المسيرة من أجل تعليم حقيقى بعيدا عن صراع الدرجات و المنافسة و التلقين و الحفظ..

س: التعليم الجيد هو الذي يكون له هدف تربوي .. ما الهدف التربوى من وجهة نظر حضرتك اذا تحقق حصلنا على تعليم جيد ووضع أفضل للتعليم ؟

الهدف التربوى ، من وجهة نظرى، هو بناء إنسان مبدع و ناجح وسعيد ، قادر على تنمية نفسه وأسرته و مجتمعه ، و مقبل على التعليم باستقلالية مدى الحياة..مثل هذا الإنسان هو القادر على التقدم إلى الأمام ببلاده من أجل مستقبل مشرق لأولاده و أحفاده و لأجيال كثيرة مقبلة؛ بل يستطيع أيضا أن يحقق عالم إنسانى يعيش فى سلام و رخاء..

س: يقول الكثير من التربوين أن التربية أساس كل تقدم وصلاح، وعنوان كل تغيير ونهضة.. هل هذه المقولة مجرد شعار يرفع أم انها قابلة للتطبيق ..وان كانت لماذا لم تخرج من حيز الكتب الى أرض الواقع ؟

ليست شعارا، و المقصود بالتربية هنا القدرة على التعلم و التعليم فكلمة تربية فى اللغة الإنجليزية education مشتقة من اللغة اللاتينية educare أى استخراج الطاقات الكامنة من الإنسان و ليس الحشو و التلقين ..و لذلك نجد أن التعليم الحديث فى دول العالم المتقدم يتجه نحو تعزيز الوعي بقيمة العلم لبناء الإنسان وتنمية المجتمعات من خلال اكتساب مهارت جديدة فى القرن الواحد و العشرين .. لقد تخلفت مصر و العالم العربى لتلحق بركاب التقدم لأن تفاقم مشاكل التعليم كانت تقاس بمقدار ما هو متوفر من مال لحل هذه المشاكل ؛ إلا أن المال ليس العائق الفعلى لنهضة فى التعليم.. إذا تواجد فريق عمل مؤمن بالتعليم الحديث وتكونت مؤساسات تعليمية وطنية تسعى و تعمل على نشر برامج التعليم الحديث فسيحدث الإصلاح و النهضة .. البداية هى إيمان الإنسان و جديته و سعيه و جهاده ، و حتما ستحدث النهضة..

س: فى مقال حضرتك عن مدرسة منى السبيل ..كان الإبداع هو سر بناءها والحب هو مفتاحها ..ترى الى اى مدى نحن نفتقد مثل تلك الأمور ؟
نحن نحتاج لتغيير فى الرؤية .. كما رأينا فى تجربة مدرسة “منى السبيل”، نجد أن التغيير بدأ بشخص واحد ..معلمة واحدة مؤمنة بفكرة عن تعليم حقيقى فكونت مدرسة من أربعة أطفال فوق شجرة فى مكان بعيد فى الخلاء بنيجيريا .. هذا هو المكان الذى توفر لها بعيدا عن المدارس الحكومية التى تعلم العنف و غيرها من السلبيات..بعد خمسة عشر عاما ؛ فإن مدرسة “منى السبيل ” لها مبان و تتطور و يزداد عدد تلاميذها و أصبحت تجربة عالمية نحتذى بها .. نجاج هذة التجربة لأن صاحبة الفكرة كانت رافضة لأسلوب العنف فى التعليم و أرادت أن تطبق نظام مونتسورى فبدأت بتدريب نفسها ثم بدأت تدرب عدد من المعلمات لتتحول الفكرة إلى عمل جاد فى أرض الواقع.. هذا مثال عملى على أن التغيير يمكن أن يبدأ بشخص واحد..كن أنت التغيير الذى ترييد أن تراه ، و ستجد أن عدد الناس الذين يؤمنون بفكرتك و يطبقونها و يساعدوك على تحقيقها يزداد بصورة لم تكن تتوقعها ..ركز على الهدف وليس على النتائج..هذا ليس معناه أن نهمل النتائج، و لكن المقصود أنها لا تشغلنا عن الهدف ..
السر فى نجاج التجربة فى “مدرسة منى السبيل” هوالحب.. الحب الذى فجر طاقة الإبداع.. حب صاحبة المدرسة للطفلة اليتيمة لورا ، على الرغم من أنها ليست طفلتها ، و إنما طفلة تبنتها بعد وفاة أمها ، فحرصت أن تحميها من تعليم فى مدارس العنف .. الحب فجر هذة الطاقة الرائعة لنجاح هذا الجهد و هذه المدرسة.. وهذا ما نحتاج إليه.. المعلم الذى يحب مهنته و يرى المعنى المقدس فيها فينطلق من هذا المعنى وحتما يمكنه أن يغير التعليم فى فصله مثلا ..هل يمكن تحقيق هذا الهدف الصغير؟ الإجابة لدى كل معلم و معلمه ..و لنتذكر “كاد المعلم أن يكون رسولا”. دعواتى بالتوفيق للجميع..

والى هنا يكون للحوار بقية مع الدكتورة ماجدة مدكور تستكمل معنا رؤيتها حول التعليم والإبداع يمكنك المشاركة فى الحوار بإرسال أسئلتكم إلينا .

إظهار المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

تم إكتشاف مانع الإعلانات في متصفحك

برجاء تعطيل مانع الإعلانات لتصفح الموقع بشكل أفضل وكذلك دعم الموقع في الإستمرار، بعد التعطيل قم بعمل إعادة تحميل (Refresh) للصفحة