في الوقت الذي تتعرض فيه بلدنا الحبيبة مصر لخطر الموجة الثانية من فيروس كورونا كوفيد 19 ، التي تضرب العالم كله، لا تزال الإجراءات الاحترازية من قبل المواطنين في حاجة إلى مراجعة صارمة للحد من انتشار هذا الفيروس اللعين، وذلك بعد أن عكست سلوكيات المواطنين في التجمعات والتنقلات وكذا الزيارات إهمالا كبيرا واستهتارا واضحا بالإجراءات الاحترازية، وإذا كانت ” الكمامة ” هي السلاح الوحيد في هذه المعركة فإن غالبية المواطنين لا زالوا في حالة إهمال واضح ربما يكون “الموت” ثمنا له.. وبما أن الأمر وصل لهذا الحد من الإهمال المميت فإن هناك مطالب متزايدة بضرورة تشديد عقوبة عدم ارتداء الكمامة ، واعتبار ذلك أمنا صحيا ملزما لا يمكن التفريط فيه أو التهاون معه..
مستشار رئيس الجمهورية يناشد المواطنين بارتدائها
مستشار رئيس الجمهورية للصحة الوقائية، الدكتور محمد عوض تاج الدين إلي أن يتوفر اللقاح المنتظر للفيروس لا توجد لدينا وسيلة لحماية أنفسنا من الإصابة إلا ارتداء الكمامة ، موضحًا أنها قد لا تحمي من الإصابة بنسبة 100% لكنها تجعل مرتديها أقل عرضه للإصابة من غيره الذي يتهاون بها، لافتًا إلي انتقال الفيروس بين الناس عن طريق الرذاذ أثناء السعال أو العطس، وأيضًا عن طريق التنفس، وبالتالي إذا كنت مرتديًا الكمامة ستحمي نفسك من سعال وعطس الآخرين الذي يأتي مفاجئًا ويعرضك للخطورة.
وزارة التموين توزعها علي البطاقات
توجهت الدولة لتوفير الكمامة لمحدودي الدخل، فبحسب حديث الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، وزعت الوزارة 30 مليون كمامة من القماش التى تستخدم لمدة أسبوعين علي البطاقات التموينية خلال الفترة السابقة، وهو التوجه الذي أشاد به خبراء الاجتماع في حديثهم ، ووصفوه بأنه يحقق الحماية الصحية لمحدودي الدخل في مصر، بينما طالب آخرون بإتاحة حصص أكبر من الكمامات علي البطاقة التموينية، لافتين إلي دور مؤسسات المجتمع المدني ورجال الاقتصاد في دعم ذلك ومساندة الدولة في عبور الجائحة وحماية المواطنين.
الحكومة تفرض غرامات مالية
ورغم حملات التوعية الإعلامية بأهمية ارتداء الكمامة للحماية من الإصابة بالفيروس، إلا أن الكثير لا يزالون يرفعون شعار: “لا حياة لمن تنادي” ما جعل الدولة تلجأ إلي عقوبات مثل فرض غرامة مالية قدرها 4000 جنيه، وذلك لردع المتهاونين والمستهترين بارتداء الكمامة ، إلا أن موقف المستهترين بارتداء الكمامة لازال قائمًا، وتحذر الحكومة من هذا المشهد، فبحسب حديث المستشار نادر سعد، متحدث مجلس الوزراء: “هناك توجيهات للسلطات القائمة علي إنفاذ القانون لتطبيق هذه الغرامات بشكل فوري دون أي استثناءات” معربًا عن استيائه لوجود حالة من التراخي بالإجراءات الاحترازية من قِبَل المواطنين في الفترة الأخيرة.
لا حياة لمن تنادي
يقول الدكتور محيي الدين سليمان، وكيل مستشفي حميات العباسية، في حديثه تعاملنا مع مصابي فيروس كورونا المستجد خلال الموجه الأولي لانتشار الفيروس، وكانت الإصابات بسبب الاختلاط بين الناس وعدم حمايتهم لأنفسهم وإهمالهم لارتداء الكمامة ، وأتعجب الآن لمواطن يهمل في حماية نفسه ويفرط في صحته ثم يتمني أن تعود إليه بعدما يأتي إلي المستشفي للعلاج.
لماذا التهاون ؟
ويفسر أساتذة الطب النفسي أسباب إهمال البعض لخط الدفاع الأول ضد الفيروس وهو ارتداء الكمامة ، فيشير الدكتور وليد هندي، إلي طبيعة الشخصية المصرية، حيث الإنسان المصري بطبيعته يتسم بالطلاقة النفسية والروحية وبشاشة الوجه والذكاء والفطرة والمرح، وبطبعه المتأصل يميل إلي التواصل النفسي مع الآخرين بعلاقات إنسانية مباشرة تتسم بتفاعل الوجه للوجه، وتعمد تأكيد المعني والمضمون الكلامي من خلال بعض المتلازمات الجسدية، ومن هذا المنطلق نجد أنه من الصعوبة بمكان أن يلتزم المواطن المصري بوضع أي شيء علي وجهه ليحجب رؤية الآخرين عنه، ويعيق تواصله الاجتماعي وتفاعلاته مع الآخرين بل ويحجب ذاته النفسية والجسمية المتعارف عليها من المحيطين أو الأقربين حوله.
كما أن المواطن المصري يشعر بانخفاض في مفهومه نحو ذاته حينما يري أن الآخر يشاهده ولا يتعرف عليه من النظرة الأولي، وهذا ما يؤثر علي صحته النفسية فيجله يشعر بالإحباط وتدني مفهومه نحو ذاته.
ويضيف استشاري الصحة النفسية إلي ذلك، فالشخصية المصرية بطبعها تميل إلي التحرر النفسي والطلاقة والسهر والانفتاح علي الآخرين، وبذلك فإن مفهوم وضع الكمامة عل الوجه قد يجعلها تشعر بأن هناك شيئا ما ينال من حريتها، ولذلك وجدنا أن بعض الحالات قد تعاني من بعض صعوبات التنفس عند ارتداء الكمامة علي الرغم من عدم وجود سبب طبي أو فسيولوجي لذلك، إلا أن هناك مجموعة من العوامل النفسية التي تؤدي إلي صعوبة التنفس عند ارتدائها أو لبسها كتعبير عن رفض القيود والرغبة في التحرر النفسي والطلاقة النفسية والروحية.
ويشير الدكتور وليد هندي إلي جسارة الشخصية المصرية، ورغبتها في اقتحام المجهول ومعايشة الأزمات بصورة مباشرة: “الإنسان المصري عنده جرأة في التعامل النفسي مع الأشياء المجهولة كمواجهة الفيروس الحالي”، ولذلك يري لبسه للكمامة نوعا من الخذلان وعدم القدرة علي مواجهة المرض، وكأن ذلك ينال من شجاعته وجسارته وشعوره بالكبرياء، ولذلك أصبح بعض منتجي الكمامات يغازلون تلك الرغبة النفسية من المواطن بإنتاج نوع جديد من الكمامات الملونة والمبهجة لتحويلها إلي إكسسوار وشيء جمالي يرتديه الإنسان مثله مثل أي كماليات شكلية.
ويناشد استشاري الصحة النفسية المتهاونين في ارتداء الكمامة بارتدائها لحماية أنفسهم وذويهم، وكذلك المحيطين بهم من الإصابة بالفيروس: “هنيجي علي نفسنا شوية لكن هنحمي بعض ونحافظ علي حياتنا”.
خسائر تهدد التنمية المستدامة
أما خبراء الاقتصاد، فبحسب حديثهم إن لم يلتزم المواطنون بارتداء الكمامة التي هي وسيلتنا الوحيدة إلي الآن للوقاية من الفيروس ستتكبد الدولة ملايين الجنيهات نتيجة التهاون بهذا الإجراء الاحترازي، حيث تكلفة علاج المصابين، التي حتمًا ستضغط علي ميزانية الدولة وتهدد إستراتيجية التنمية المستدامة، مما ينبئ بفرض ضرائب في المستقبل حتى يتسنى للدولة توفير الخدمة الطبية لمصابي الفيروس.